C.Ronaldo Admin
عدد المساهمات : 2056 تاريخ التسجيل : 01/04/2010 العمر : 27
| موضوع: ميلاد فيزياء جديدة .. في "سيرن"! السبت مايو 01, 2010 7:25 pm | |
| الخبر ليس بالخبر، والتجربة ليست بالتجربة التي تستحق أن تشغل ولو حيِّزاً صغيراً من اهتمامنا الإعلامي؛ فَقُلْ لي ما الأمر الذي يستحوذ على اهتمامك، ويشغل تفكيرك، أقُلْ لكَ من أنت.
إنَّني لا أتحدث عن خبر بأهمية خبر زواج أو طلاق فنَّانة عربية، ولا عن تجربة بأهمية تجربة "التفاوض غير المباشِر" مع إسرائيل، وغيرها من التجارب السياسية العربية التي لا نخوضها إلاَّ لنثبت للعالم أنَّ خوض التجربة نفسها، غير مرَّة، يمكن ويجب أن يعطينا نتائج مختلفة.
ما أتحدث عنه إنَّما هو هذا "العظيم" الذي يَصْغُر في عيون صحافتنا، التي لا تشبهها صحافة لجهة خلوِّ صفحاتها من إجابة سؤاليِّ "ماذا حدث؟"، و"لماذا حدث؟".
أمَّا ما حدث في "سيرن" فهو أمرٌ، لو تعلمون، لعظيم؛ فالتجربة الفيزيائية (الكوزمولوجية) والتي هي أُمُّ التجارب في الفيزياء الكونية أجْرِيَت.. في نفق على عمق 100 متر تحت سطح الأرض، وطوله 27 كيلومتراً.
والنتائج التي تمخَّضت عنها، والتي لم نُحَطْ بها عِلْماً بعد، إنَّما تكمن أهميتها الفيزيائية والكوزمولوجية والفلسفية.. في كونها تَفْتَح لنا باباً واسعاً لمعرفة "كيف نشأ، أو وُجِد، أو خُلِق، الكون"، ولقياس وزن "الحقيقة (الموضوعية)" في نظرية "الانفجار الكبير" Big Bang والتي تتربَّع على عَرْش الفيزياء الكونية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فهذه النظرية الكوزمولوجية الكبرى هي وحدها التي نجحت حتى الآن في إجابة كثير من الأسئلة الكوزمولوجية التي استبدَّت زمناً طويلاً بتفكير البشر.
من أين جاء الكون؟ متى نشأ؟ كيف نشأ؟ وما هو مصيره؟
إنَّها بعضٌ من أهم الأسئلة والتساؤلات الكوزمولوجية (والدينية أيضاً) التي توفَّرت نظرية "الانفجار الكبير" على إجابتها، والتي، أي النظرية، تحوَّلت، أخيراً، في "سيرن"، إلى تجربة تحاكي الظروف التي كان فيها الكون بعد ثوانٍ من "الانفجار الكبير"، لعلَّ الأمر يأتي بنتائج، تسمح بقطع الشكِّ بسكِّين اليقين.
"النظرية"، التي سنميِّز غثها من سمينها عمَّا قريب، تُخْبِرنا (فصدِّق أو لا تُصدِّق) أنَّ الكون كله (أي كل ما يشتمل عليه من كتلة وطاقة، من نجوم وكواكب ومجرَّات..) كان قبل نحو 14 أو 18 بليون سنة في حجمٍ، رأس الدبُّوس أكبر منه بملايين المرَّات، ثمَّ "انفجرت" هذه "النقطة المتناهية في الصِغَر"، انفجاراً لا مثيل له، معنىً ومنطقاً، فَوُلِد من هذا الانفجار (Big Bang) كل شيء، فهذا "الانفجار" هو الذي خَلَق "الزمان" و"المكان" و"الفضاء" "والقوى" و"جسيمات المادة والمادة المضادة"..
ومُذْ وَقَع هذا الانفجار الكوني العظيم والكون (أو الفضاء) يتمدَّد ويتَّسِع، فهل يستمر في تمدُّده وإتِّساعه إلى ما لا نهاية له (في الزمان والمكان) أم يتوقَّف، تمدُّداً واتِّساعاً، ثمَّ يشرع يتقلَّص وينكمش، منهاراً على نفسه، ليصبح، مرَّة أخرى، في ذلك الحجم المتناهي في الصِغَر؟
"النظرية" ذاتها تقيم حاجزاً معرفياً ميتافيزيقياً (كانطياً) لا يمكن تخطيه أبداً مهما اتَّسعت وتعمَّقت المعرفة الفيزيائية والكوزمولوجية لدى البشر، فإذا كانت "لحظة" هذا "الانفجار" ممكنة المعرفة (ولقد عُرِفت من خلال نظرية "الانفجار الكبير") فإنَّ "لحظة ما قبل" هذا "الانفجار" ستظل إلى الأبد مسْتَغْلَقةً على الفهم والعلم والمعرفة والعقل. حتى سؤال "ماذا كان يُوْجَد قبل الانفجار؟" يُعَدُّ سؤالاً فاسِداً؛ لأنَّ "قبل" هي "ظرف زمان"؛ فكيف لظروف الزمان أن تُوْجَد إذا ما كان الزمان نفسه لم يُوْلَد بعد؟!
و"مثال البالون" هو خير مثال يمكن من خلاله أن تُشْرَح وتُبْسَط "النظرية"، فَقُمْ بإحضار بالون أبيض كبير الحجم، ثمَّ قًمْ بتنقيط سطحه، أو برسم نُقَط سوداء على سطحه، ثمَّ قُمْ بنفخه، فترى، عندئذٍ، أنَّ كل نقطة تبتعد عن سائر النقط، وأنَّ تباعد النقط يزداد مع الاستمرار في نفخ البالون.
"النقط" إنَّما ترمز إلى المجرَّات في الكون؛ أمَّا مادة المطاط المصنوع منها البالون فترمز إلى الفضاء، الذي كلَّما تمدَّد واتَّسع تباعدت النقط (الثابتة في مكانها).
إنَّ الكون كله، أي المجرَّات والفضاء، يقع على سطح البالون فحسب؛ أمَّا داخل هذا البالون أو خارجه فليس بجزء من كوننا.
في "سيرن"، لم يَقُمْ العلماء بصنع شيء يشبه ذلك "الشيء" المتناهي في الصِغَر، والذي منه وُلِد الكون، إذ انفجر، فكيف لهم أن يصنعوا "شيئاً" يشبه "شيئاً يجهلون جهلاً مطلقاً ماهيته وخواصه.."، ويقولون باستحالة أنْ يُعْرَف، مستقبلاً، أيُّ شيء عن ذلك "الشيء"؟!
وهُم، أيضاً، لم يحْدِثوا انفجاراً يشبه أو يحاكي "الانفجار الكبير" نفسه، فكيف لهم أن يُحْدثوا انفجاراً في "شيء"، أو لـ "شيء"، يجهلون تماماً ما هو؟!
لقد قاموا، فحسب، بإطلاق حزمتين من البروتونات في اتِّجاهين متضادين، توصُّلاً إلى معرفة النتائج المترتبة على تصادمهما.
إنَّ البروتون ليس بـ "جسيم أوَّلي"، فهو يتألَّف من ثلاثة جسيمات من نوع "الكوارك". والبروتون يمكن جعله يسير بسرعة تقارِب (ولا تَعْدِل) سرعة الضوء، فهو من مادة لها كتلة، ولا يمكنها، بالتالي، أن تسير بسرعة 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة.
ما هي النتائج التي يمكن أن تترتب على تصادم بروتونين، كلاهما يسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء؟
هذا هو السؤال الذي من أجل إجابته أجْرِيت التجربة في "سيرن"، فالعلماء يعتقدون أنَّ التجربة مع نتائجها تشبه وتحاكي الظروف التي كان فيها الكون بعد بضع ثوانٍ من "الانفجار الكبير".
من قبل، هشَّم العلماء "الذرَّة"، فعرفوا، بالتالي، مكوِّناتها وأشياء أخرى؛ واليوم، هشَّموا أحد مكوِّناتها، وهو "البروتون"، توصُّلاً إلى معرفة ماذا يمكن أن يَنْتُج من هذا التهشيم، أي من تصادم البروتونات (وهي تسير بسرعة تقارِب سرعة الضوء).
التجربة لم تكن قد بدأت بعد، ونتائجها لَمَّا تَظْهَر، عندما سارع أحد كبار الجهلة بالفيزياء والدين معاً إلى "تكفيرها"، وإلى تكفير "النظرية" والعلماء.
غيره، أدلى بدلوه؛ ولكن بما يؤكِّد أنَّنا نأبى إلاَّ أن نظل "اُمَّة الأجوبة الجاهزة (المطلقة)"، فليس من جديد في عالم الفكر والمعرفة والعِلْم والاكتشاف.. إلاَّ وادَّعينا مِلْكيَّته، ولو على هيئة "بذور" و"أجنَّة" و"أصول"!
ثمَّ أين هو السؤال الآني الكبير الذي لا جواب عنه في ترسانة معارفنا وأجوبتنا القديمة، والتي لا مكان فيها إلاَّ للحقائق المُطْلَقة؟!
إنَّنا حتى الآن لم نفهم كل جديد مهم من المعارف والعلوم والاكتشافات إلاَّ على أنَّه دليل جديد على أنَّنا كُنَّا السبَّاقين في حيازته، أو على الأقل، في حيازة ما أدَّى إليه وأوصل، وكأنَّ "جديدهم" هو "قديمنا"؛ و"قديمنا" هو "جديدهم"!
حتى الجهل لا نشعر به، ولا نعيه، ولا ندركه؛ فكيف لنا بعد ذلك، وبسبب ذلك، أن نمخر عباب العلم والمعرفة؟!
وذات مرَّة، حاضَر البابا في مؤتمر ضمَّ فيزيائيين وكوزمولوجيين، فقال لهم: "لكم الحق في أنْ تبحثوا تطوُّر الكون بَعْدَ الانفجار العظيم Big Bang ولكن لا يجوز، لا لنا ولا لكم، البحث في هذا الانفجار ذاته؛ لأنَّه لحظة خَلْق، وعمل قام به الخالق". الرسالة | |
|